الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
يريد نحته فخفف وقوله: {على آثارهم}، استعارة فصيحة، من حيث لهم إدبار وتباعد عن الإيمان، وإعراض عن الشرع فكأنهم من فرط إدبارهم قد بعدوا فهو في آثارهم يحزن عليهم، وقوله: {بهذا الحديث} أي بالقرآن الذي يحدثك به، و{أسفاً} نصب على المصدر، قال الزجاج: والأسف المبالغة في حزن أو غضب.قال القاضي أبو محمد: والأسف في هذا الموضع الحزن، لأنه على من لا يملكه ولا هو تحت يد الأسف ولو كان الأسف من مقتدر على من هو في قبضته وملكه لكان غضباً، كقوله تعالى: {فلما آسفونا} [الزخرف: 55] أي أغضبونا وإذا تأملت هذا في كلام العرب اطرد، وذكره منذر بن سعيد وقال قتادة: هنا {أسفاً} غضباً، قال مجاهد {أسفاً} جزعاً وقال قتادة أيضاً: حزناً، ومن هذه اللفظة قول الأعشى: [الطويل] يريد حزيناً كأنه مقطوع اليد، وقوله: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة}، الآية بسط في التسلية أي لا تهتم للدنيا وأهلها فأمرها وأمرهم أقل بفنائه وذهابه، فإنا إنما جعلنا ما على الأرض زينة وامتحاناً وخبرة، واختلف في المراد، ب {ما}، فقال ابن جبير عن ابن عباس: أراد الرجال وقاله مجاهد، وروى عكرمة عن ابن عباس أن الزينة الخلفاء والعلماء والأمراء، وقالت فرقة أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والمياه، ونحو هذا مما فيه زينة، ولم يدخل في هذا الجبال الصم وكلا ما لا زين فيه كالحيات والعقارب، وقالت فرقة: أراد كل ما على الأرض عموماً وليس شيء إلا فيه زينة من جهة خلقه وصنعته وإحكامه. وفي معنى هذه الآية، قول النبي عليه السلام: «الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء» و{زينة} مفعول ثاني أو مفعول من أجله بحسب معنى جعل. وقوله: {لنبلوهم أيهم أحسن عملاً} أي لنختبرهم وفي هذا وعيد ما، قال سفيان الثوري: {أحسنهم عملاً} أزهدهم فيها، وقال أبو عاصم العسقلاني: أحسن عملاً: أترك لها.قال القاضي أبو محمد: وكان أبي رضي الله عنه يقول: أحسن العمل أخذ بحق واتفاق في حق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم، والإكثار من المندوب إليه. وقوله: {وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً}، أي يرجع كل ذلك تراباً غير متزين بنبات ونحو، والجرز الأرض التي لا شيء فيها من عمارة وزينة، فهي البلقع، وهذه حالة الأرض العامرة الخالية بالدين لابد لها من هذا في الدنيا جزءاً جزءاً من الأرض ثم يعمها ذلك بأجمعها عند القيامة، يقال: جرزت الأرض بقحط أو جراد أو نحوه إذا ذهب نباتها وبقيت لا شيء فيها ولا نفع، وأرضون أجراز، قال الزجاج: والجرز الأرض التي لا تنبت.قال القاضي أبو محمد: وإنما ينبغي أن يقول: التي لم تنبت، والصعيد وجه الأرض وقيل الصعيد التراب خاصة، وقيل الصعيد الأرض الطيبة وقيل، الصعيد الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة، وقوله تعالى: {أم حسبت} الآية، مذهب سيبويه في {أم} إذا جاءت دون أن يتقدمها ألف استفهام أنها بمعنى بل وألف الاستفهام كأنه قال: بل أحسبت إضراباً عن الحديث الأول واستفهاماً عن الثاني وقال بعض النحويين: هي بمنزلة ألف الاستفهام، وأما معنى الكلام فقال الطبري: هو تقرير للنبي صلى الله عليه وسلم على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا عجباً بمعنى إنكار ذلك عليه أي لا تعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم وأشنع، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق، وذكر الزهراوي: أن الآية تحتمل معنى آخر وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق، وذكر الزهراوي: أن الآية تحتمل معنى آخر وهو أن تكون استفهاماً له هل علم أصحاب الكهف عجباً، بمعنى إثبات أنهم عجب وتكون فائدة تقريره جمع نفسه لام لأن جوابه أن يقول لم أحسب ولا علمته فيقال له: وصفهم عند ذلك والتجوز في هذا التأويل هو في لفظه حسبت فتأمله، و{الكهف} النقب المتسع في الجبل وما لم يتسع منها فهو غار، وحكى النحاس عن أنس بن مالك أنه قال: {الكهف} الجبل وهذا غير شهير في اللغة، واختلف الناس في {الرقيم}، فقال كعب، {الرقيم} القرية التي كانت بإزاء {الكهف}، وقال ابن عباس وقتادة: {الرقيم} الوادي الذي كان بإزائه وهو واد بين عصبان وأيلة دون فلسطين، وقال ابن عباس أيضاً هو الجبل الذي فيه {الكهف}، وقال السدي: {الرقيم} الصخرة التي كانت على {الكهف}، وقال ابن عباس {الرقيم} كتاب مرقوم كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين عيسى، وقيل من دين قبل عيسى، وقال ابن زيد: كتاب عمى الله علينا أمره ولم يشرح لنا قصته، وقالت فرقة: {الرقيم} كتاب في لوح نحاس، وقال ابن عباس: في لوح رصاص كتب فيه القوم الكفار الذين فر الفتية منهم قصتهم وجعلوها تاريخاً لهم ذكروا وقت فقدهم وكم كانوا وبني من كانوا، وقال سعيد بن جبير: {الرقيم} لوح من حجارة كتبوا فيه قصة {أصحاب الكهف} ووضعوه على باب الكهف، ويظهر من هذه الروايات أنهم كانوا قوماً مؤرخين للحوادث وذلك من قبل المملكة وهو أمر مفيد، وهذه الأقوال مأخوذة من الرقم ومنه كتاب مرقوم، ومنه الأرقم لتخطيطه، ومنه رقمة الوادي أي مكان جري الماء وانعطافه يقال عليك بالرقمة وخل الضفة وقال النقاش عن قتادة: {الرقيم} دراهمهم، وقال أنس بن مالك والشعبي {الرقيم} الكلب، وقال عكرمة {الرقيم} الدواة، وقالت فرقة: {الرقيم} كان لفتية آخرين في السراة جرى لهم ما جرى ل {أصحاب الكهف}، وروي عن ابن عباس أنه قال ما أدري ما {الرقيم} أكتاب أو بنيان، وروي أنه قال: كل بالقرآن أعلمه إلا الحنان والأواه والرقيم.
فهذا يستعمل في اللزوم البليغ، وأما تخصيص الآذان بالذكر فلأنها الجارحة التي منها عظم فساد النوم، وقلَّما ينقطع نوم نائم إلا من جهة أذنه، ولا يستحكم نوم إلا مع تعطل السمع، ومن ذكر الأذن في النوم قوله صلى الله عليه وسلم «ذلك رجل بال الشيطان في أذنه» أشار عليه السلام إلى رجل طويل النوم لا يقوم بالليل، وقوله: {عدداً} نعت للسنين، والقصد به العبارة عن التكثير، أي تحتاج إلى عدد وهي ذات عدد، قال الزجاج: ويجوز أن يكون نصب {عدداً} على المصدر، والبعث التحريك بعد سكون، وهذا مطرد مع لفظة البعث حيث وقعت، وقد يكون السكون في الشخص أو عن الأمر المبعوث فيه وإن كان الشخص متحركاً، وقوله: {لنعلم} عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود، وهذا على نحو كلام العرب أي لنعلم ذلك موجوداً، وإلا فقد كان الله تعالى علم {أي الحزبين} أحصى الأمد وقرأ الزهري {ليعلم} بالياء، والحزبان الفريقان، والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفتية، إذ ظنوا لبثهم قليلاً، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية، وهذا قول الجمهور من المفسرين، وقالت فرقة: هما حزبان من الكافرين اختلفا في مدة أصحاب الكهف، وقالت فرقة: هما حزبان من المؤمنين، وهذا لا يرتبط من ألفاظ الآية، وأما قوله: {أحصى} فالظاهر الجيد فيه أنه فعل ماض، و{أمداً} منصوب به على المفعول، والأمد الغاية، وتأتي عبارة عن المدة من حيث للمدة غاية هي أمدها على الحقيقة، وقال الزجاج: {أحصى} هو أفعل، و{أمداً} على هذا نصب على التفسير، ويلحق هذا القول من الاختلال أن أفعل لا يكون من فعل رباعي إلا في الشاذ، و{أحصى} فعل رباعي، ويحتج لقول أبي إسحاق بأن أفعل من الرباعي قد كثر، كقولك ما أعطاه للمال، وآتاه للخير، وقال النبي عليه السلام في صفه جهنم: «هي أسود من القار» وقال في صفة حوضه عليه السلام «ماؤه أبيض من اللبن» وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو لما سواها أضيع وهذه كلها أفعل من الرباعي، وقال مجاهد: {أمداً} معناه عدداً، وهذا تفسير بالمعنى على جهة التقريب، وقال الطبري: نصب {أمداً} ب {لبثوا}، وهذا غير متجه.
|